responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 378
[29]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.
هَذَا، إِمَّا اسْتِدْلَالٌ ثَانٍ عَلَى شَنَاعَةِ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى أَنَّهُ مِمَّا يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ فَإِنَّ دَلَائِلَ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ ظَاهِرَةٌ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَفِي خَلْقِ جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ فَهُوَ ارْتِقَاءٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِكَثْرَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَفَصْلُ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمُرَاعَاةِ كَمَالِ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ كَالنَّتِيجَةِ لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ فِي خَلْقِ الْأَرْضِ وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ لِمَنْفَعَةِ الْبَشَرِ إِكْمَالًا لِإِيجَادِهِمُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [الْبَقَرَة: 28] لِأَنَّ فَائِدَةَ الْإِيجَادِ لَا تَكْمُلُ إِلَّا بِإِمْدَادِ الْمَوْجُودِ بِمَا فِيهِ سَلَامَتُهُ مِنْ آلَامِ الْحَاجَةِ إِلَى مُقَوِّمَاتِ وَجُودِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْعَطْفِ لِدَفْعِ أَنْ يُوهِمَ الْعَطْفُ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ فَبِتَرْكِ الْعَطْفِ يُعْلَمُ أَنَّ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَفِي الْأَوَّلِ بُعْدٌ وَفِي الثَّانِي مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ تَوَهُّمٌ لَا يَضِيرُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ امْتِنَانًا عَلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ لِتَسْجِيلِ أَنَّ إِشْرَاكَهُمْ كُفْرَانٌ بِالنِّعْمَةِ أُدْمِجَ فِيهِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ لِمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَمَعَادِنَ اسْتِدْلَالًا بِمَا هُوَ نِعْمَةٌ مُشَاهَدَةٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: لَكُمْ فَيَكُونُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ كَمَا قُرِّرَ آنِفًا، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى مَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ مُغَايَرَةٍ لِلْجُمْلَةِ الْأَوْلَى بِالِامْتِنَانِ لِأَنَّ مَا أُدْمِجَ فِيهَا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ رَجَّحَ اعْتِبَارَ الْفَصْلِ.
وَالْخَلْقُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [الْبَقَرَة: 21] . وَالْأَرْضُ اسْمٌ لِلْعَالَمِ الْكُرَوِيِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الَّذِي يُعَمِّرُهُ الْإِنْسَانُ
وَالْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَالْمَعَادِنُ وَهِيَ الْمَوَالِيدُ الثَّلَاثَةُ وَهَذِهِ الْأَرْضُ هِيَ مَوْجُودٌ كَائِنٌ هُوَ ظَرْفٌ لِمَا فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَحَيْثُ إِنَّ الْعِبْرَةَ كَائِنَةٌ فِي مُشَاهَدَةِ الْمَوْجُودَاتِ مِنَ الْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ، عُلِّقَ الْخَلْقُ هُنَا بِمَا فِي الْأَرْضِ مِمَّا يَحْتَوِيهِ ظَرْفُهَا مِنْ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَمْ يُعَلَّقْ بِذَاتِ الْأَرْضِ لِغَفْلَةِ جُلِّ النَّاسِ عَنِ الِاعْتِبَارِ بِبَدِيعِ خَلْقِهَا إِلَّا أَنَّ خَالِقَ الْمَظْرُوفِ جَدِيرٌ بِخَلْقِ الظَّرْفِ إِذِ الظَّرْفُ إِنَّمَا يُقْصَدُ لِأَجْلِ الْمَظْرُوفِ فَلَوْ كَانَ الظَّرْفُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ خَالِقِ الْمَظْرُوفِ لَلَزِمَ إِمَّا تَأَخُّرُ الظَّرْفِ عَنْ مَظْرُوفِهِ وَفِي ذَلِكَ إِتْلَافُ الْمَظْرُوفِ، وَالْمُشَاهَدَةُ تَنْفِي ذَلِكَ، وَإِمَّا تَقَدُّمُ الظَّرْفِ وَذَلِكَ عَبَثٌ. فَاسْتِفَادَةُ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ مَأْخُوذَةٌ بِطَرِيقِ الْفَحْوَى فَمِنَ الْبَعِيدِ أَنْ يُجَوِّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنْ يُرَادَ بِالْأَرْضِ الْجِهَةُ السُّفْلِيَّةُ كَمَا يُرَادُ بِالسَّمَاءِ الْجِهَةُ الْعُلْوِيَّةُ، وَبُعْدُهُ مِنُُْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 378
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست